التحكم بالتأثير- وعي نقدي في عالم التواصل الاجتماعي.

المؤلف: منى العتيبي10.01.2025
التحكم بالتأثير- وعي نقدي في عالم التواصل الاجتماعي.

في عصرنا الحالي، نغرق يوميًا في بحر متلاطم الأمواج من الرسائل التي تنهال علينا عبر شتى منصات التواصل الاجتماعي، هذه الرسائل تتداخل بشكل جوهري في نسيج حياتنا، وتمس صميم قيمنا، وتستهدف أفكارنا الراسخة، وتؤثر في مبادئنا، وتعبث برغباتنا، وتستغل احتياجاتنا، بل وتتوغل في كل جوانب حياتنا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، محاولة تشكيلها وفق أهواء متباينة. لكن المفارقة العجيبة تكمن في حقيقة أن بعضًا من هذه الرسائل يظهر في حلة براقة، مزينًا بألوان زاهية، ومنمقًا بأسلوب فتان، وكأنه صادر عن عباقرة وعلماء أفذاذ! ويا للأسف، يقوم بعض الأفراد بعرض هذه الأفكار المسمومة والمغرضة بأسلوب أنيق ومهذب، وبطريقة ساحرة تجعلنا نقع في شراك التأثير دون أدنى وعي أو إدراك. وما إن ننجرف وراء هذه الدعوات الخادعة، حتى نبدأ في تقليدهم بشكل أعمى، وتصديقهم بغير تفكير، والتأثر بهم دون تمييز، لنجد أنفسنا في نهاية المطاف نغرق في محيط واسع من الأفكار المضللة والآراء الزائفة! في هذا العالم الفسيح لمنصات التواصل الاجتماعي، حيث تعج الساحة بالأفكار المتنوعة والمعلومات المتضاربة، يصبح من الضروري للغاية ألا نكون "فريسة" سائغة وسهلة لأي فكرة عابرة، أو نزوة طارئة، أو معلومة ملوثة. ولهذا، يجب علينا أن نتعلم بجد واجتهاد كيف نتحكم بزمام بوصلة التأثير التي توجه سلوكنا وتحدد مسارنا. فالتأثير ليس قوة قاهرة أو سلطانًا جبارًا يتحكم فينا عنوة، بل هو قوة كامنة يجب أن نملك ناصيتها ونسيطر عليها بأنفسنا. نحن من يجب أن يقف شامخًا في وجه الأمواج العاتية التي تجتاحنا بهذه الأفكار الهدامة، ونحن من يجب أن يقود سفينة حياته بحكمة وروية، وأن يحدد وجهتها بتبصر وعقلانية. فبعد أن نشأنا وترعرعنا على قيم نبيلة وأخلاق متزنة، يصبح من الأهمية بمكان أن نحافظ عليها بكل غال ونفيس، وأن نوجه بوصلة تفكيرنا دائمًا في الاتجاه الصحيح الذي يتوافق مع مبادئنا السامية وقيمنا النبيلة. وإذا ما فعلنا ذلك، سيصبح الآخرون في منصات التواصل الاجتماعي "هشّين" وضعفاء أمام قدرتنا الفائقة على التحكم في تأثيرنا. وسنغدو قادرين بعون الله على توجيه الأفكار والعواطف بدلًا من أن نكون مجرد مستهلكين سلبيين لها، نتقبل كل ما يُعرض علينا دون تمحيص أو تدقيق. فبالوعي العميق، والتفكير النقدي السليم، والانتباه الشديد لكل ما يُطرح علينا من أفكار وآراء، سنتمكن بلا شك من مقاومة التأثيرات السلبية والمضللة التي تحيط بنا من كل جانب. ومما لا شك فيه أن مقاومتنا للتأثير الضار تنبع من تنمية وتطوير مهارات التفكير النقدي لدينا، كي نتمكن من تحليل المعلومات التي نتلقاها عبر منصات التواصل الاجتماعي بدقة وموضوعية، بدلًا من تقبلها بشكل أعمى وعشوائي دون أدنى تفكير. ختامًا.. تحكم في تأثرك بنفسك، قبل أن تصبح أنت نفسك مؤثرًا في الآخرين بشكل سلبي! ففي هذا العصر الزاخر بالمعلومات الرقمية والاتصال المستمر، أصبح الوعي الذاتي عنصرًا أساسيًا وضروريًا لمواجهة التحديات المتزايدة التي تطرأ على حياتنا نتيجة للتأثيرات الخارجية المتنوعة. فمن خلال زيادة وعينا بأنفسنا ومشاعرنا وأفكارنا، وتعزيز فهمنا لقدراتنا وميولنا، يمكننا تحسين قدرتنا بشكل ملحوظ على مقاومة التأثيرات السلبية، وتوجيه تجربتنا الرقمية نحو آفاق أرحب لتحسين الذات والتطور المستمر والنمو الشخصي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة